وجودها / جنة في الحياة ..
في الساعة الثانية عشر ظهراً كانت الأم جالسة في بهو البيت تحتسي كوباً ممتلئاً من الشاي , وفجأة دخلت ضيء إلى المنزل أمام ناظر الأم , وعلامات الحزن والغضب بادية على مُحياها , توجهت مسرعة إلى الغرفة فاصطك الباب وراءها - هلعت الأم من منظر أبنتها وأخذت تتساءل : ماذا بها ؟ من هي التي جعلتها تحزن " أصديقتها تلك أم تلك - سؤال وسؤال يراود فكر الأم ..
بعد ساعة تقريباً - توّجهت الأم إلى غرفة ابنتها رأتها مُستلقية على السرير ومنهكة من التعب والحزن و دموعُ تنهمر , فَ هلعت الأم أكثر / اقتربت منها ومسحت بيدها الناعمة الحنونة على شعر ابنتها الأسود اللون وتتغلغل الأصابع بشعرها من نعومته , وفجأة تصرخ البنت في وجهه أمها ! وتقول لها عمّ حدث بالمدرسة بسببها " فهي كانت زوجة أب لا أمها الحقيقة " قالت بصوت عالٍ لزوجة أبيها التي بمثابة أمها " إن البنات يسخرون مني بسببك وإن أنتِ من قتلتي أمي وأخذتي أبي - هُنا تجمدت مشاعر تلك الأم واقتربت أكثر لـ تحتضن أبنتها وتهدّي من روعها ,
لكن ما حصل بأنها أبعدتها ونهرتها وطردتها من الغرفة , وأخذت تلك الأم تجر أرجلها جراً وقلبها مكسوٌ بالأسى والحزن على حال تلك البنت .. فذهبت إلى مكتبها وأغلقت الباب قليلاً / وتوّجهت إلى " صندوق ذكرياتها " فَ أخذت رسالةُ كانت مكتوبة باسم صديقتها المتوفيّة ومن ثم جلست على كرسي المكتب الذي كان بني اللون وأخذت تقرأ تلك الرسالة بتمعن وفجأة ما إن تبكي , أما البنت فأحست بالذنب وبكت لأنها نهرت من كانت " بمثابة أمها " وأخذت تتساءل ماذا فعلت؟ أي حماقة اقترفتها بحق من ربتني ؟ فهي من صبرت علي وعلى جنوني المُعتاد ؟ وهي من كانت لي أماً و لـ أبي زوجة صالحة حقاً ؟ ما خطبي ما خطبي ؟ أوواه يا لجنون عقلي ! إذا سأذهب أعتذر عما فعلت " وعساها إن تقبل اعتذاري " , فتوجهت البنت وهي مطأطاة رأسها وخجلة عما فعلت إلى مكتب أمها فرأتها واضعة رأسها على مكتبها , خشيت إن تزعجها ولكنها أصرت على الدخول لكي تعتذر , دخلت واقتربت من تلك الأم المكسورة " تناديها : أمي أمي أمي , لكنها لا ترد ! ومرة تلو الأخرى لكنها لا ترد ’’ فالأم قد أغمى عليها من شدة القهر / وما لفت نظر البنت إن يد أمها قابضةُ على شيء , ففتحت البنت يد أمها فرأتها ورقة بيضاء ! أخذت تتساءل ماذا يوجد بتلك الورقة ؟ ففتحتها وقرأتها " صديقتي العزيزة : إنكِ دفء مستوحى من السحاب , إن قلبكِ كالجوهر ! في الآونة الأخيرة أحسست بِدنو أجلي , وأنا لا أثق إلا بك " وأحبكِ كثيراً كثيراً , فسأوصيكِ بابنتي ضيء إن تجعلينها بعيناك البرّاقة , وإن تكوني لها كل شيءٌ في الحياة , وجزاكِ الله جنة الفردوس العُليا ,, صديقتك الوفيّة : أم ضيء *
وما إن أنهت البنت قراءة الرسالة إلا بدخول أبيها : وذهبت مسرعة لتخبره عما حصل بأمها : ونقلوها إلى المستشفى فوراً ومن بعد نصف ساعة تقريباً خرج الطبيب وعلامات الحزن قد بانت على ملامحه , فاقترب منه الزوج وسأله ماذا بها ؟ لكنه لم يرد وصرخ بوجهه مرة أخرى ماذا بها ؟ فأجابه الطبيب بنبرة حزينة "رحمها الله , عظم الله أجرك فزوجتك قد فارقت الحياة , وروحها رحلت إلى السماء السابعة عند الرب البنت صعقت مما سمعت , وغُشي عليها وجعلوها تحت الملاحظة , وما تبيّن من الأطباء إلا أنها قد أُصيبت بإنهيار عصبي .. وأقاموا مراسم العزاء لـ" فقيدتهم التي كانت نهرٌ من الوفاء والعطاء والحنان لا ينضب / وهاهي البنت تناجي ربها في كل ليلة بأن يغفر لأمها ويجعل قبرها روضة من رياض الجنة ويرزقها الفردوس
الأعلى ..
وأخيراً " لأخبركم بأن الأم وجودها جنة في الحياة فلا تنهروها أو تُغضبوها , بل برّوا بها وأطيعوا وأخلصوا لها فإن الجنة تحت أقدامها "
- بنت البدر